ضغوط الأولياء في البكالوريا أكبر عقدة للممتحنين

بدأ العد التنازلي لموعد امتحان بكالوريا 2023، وبدأت معه مخاوف وقلق التلاميذ المقبلين عليه، وعائلاتهم، وأصبح هاجس الفشل يسيطر تدريجيا على هؤلاء.. أيام تمر، ومساحة الوقت للمراجعة تتقلص، والضغط يتزايد، وتلك الصورة الرائعة لفرحة النجاح تدغدغ المشاعر، كأحلام اليقظة، سرعان ما يقفز الهلع والتوجس مكانها، كأنه نهاية العالم!
واقع صعب يعيشه هذه الأيام تلاميذ البكالوريا، خاصة الذين يقعون تحت طائلة الضغط الممارس من عائلاتهم، وضغط المراجعة وتراكم الدروس، إلى درجة أن التعبير عن هذا الوضع لتخفيف الحالة النفسية انتقل إلى منصات التواصل الاجتماعي، بصورة تهكمية تكشف عن هاجس حقيقة فرضه “الباك” كمحطة كبيرة في الأسرة الجزائرية.

بعد البكالوريا.. كيف يكون المصير؟
ويسأل المتوجسون من البكالوريا “كيف يكون المصير بعد الباك؟”، ويرفقون صورا حقيقية وأخرى كاريكاتورية، وفي الوقت الذي وصل بعض رواد التواصل الاجتماعي، إلى الترويج لمصير الفاشل في الامتحان، بشكل يدعو للتشاؤم، ويرفع نسب الضغط والخوف أكثر، هناك من فتح مساحة للأمل، وراح يصور “الباك”، على أنه امتحان عادي، ويمكن أن يكون سهلا بالمقارنة بالامتحانات الأخرى غير الرسمية.
ودخل الكثير من المختصين في التنمية البشرية وعلم النفس والتربية، على خط التهيئة النفسية والعقلية وفك الضغط على طلاب البكالوريا، من خلال فتح صفحات للنصائح وتقديم أساليب التعامل مع الامتحانات المصيرية.

الخوف من المستقبل يبدأ من البكالوريا
وفي هذا الإطار، قال الدكتور نور الدين بكيس، المختص في علم الاجتماع، في تصريح لـ”الشروق”، أن شهادة البكالوريا، باتت تكتسي أهمية كبيرة نظرا للظروف المحيطة بالعائلات الجزائرية،، فقد تحول إليها نجاح أبنائها في هذه الشهادة إلى هاجس وعقدة يجب تجاوزها.
وأوضح بكيس، أن في الجزائر لم يعد للكثير من العائلات، حلولا وبدائل تستطيع أن تضمن من خلالها لأبنائها المستقبل، إلا إذا توفر شرط الولوج إلى الدراسات الجامعية، لأن التوظيف الأكثر استقرارا بالنسبة لها، هو القطاع العمومي، ولو برواتب منخفضة، فهو القطاع الذي يطلب المستوى التعليمي.
ويرى أن بلوغ المستوى الجامعي يكون من خلال النجاح في البكالوريا، خاصة أن أغلب الجزائريين يراهنون على منصب شغل بالمنطق والعقلية التقليدية، بتأمين المستقبل الوظيفي لأبنائهم من خلال القطاع العمومي الذي يبحث عن المستوى التعليمي.
وعلى هذا الأساس، حسب الدكتور نور الدين بكيس، تدخل الأسرة الجزائرية التي لها أبناء مقبلون على البكالوريا، في دوامة، وضغط أكثر على هؤلاء الأبناء، فتعيش حالة قلق وهلع وهاجس يجعلها تتخيل أن الفشل في “الباك”، نهاية العالم.
وقال خبير علم الاجتماع، الدكتور بكيس، إن فشل البكالوريا، أصبح ضعفا في الجزائر، حسب الكثير من العائلات، نظرا لعدم وجود منظومة قوية حاضرة تتعامل مع المهارات وليس مع الشهادات.

جزائريون يبحثون عن إنجازاتهم وافتخارهم في نجاح أبنائهم
وأكد نور الدين بكيس، أن النجاح في البكالوريا خلال السنوات السابقة، كان يقتصر على فئة المميزين، وكانت نسب النجاح تدور بين 10 بالمائة إلى 12 بالمائة، ووصلت إلى أن تجاوزت 50 بالمائة، فباتت كل العائلات تطمح، وتأمل في نجاح أبنائها.
وأصبح الجميع، حسبه، يراهن على هذا النجاح، ليفتخر ويتباهى أمام الغير، في حين أن الكثير منهم، يبحثون عن تحقيق إنجازاتهم عن طريق أبنائهم أو تعويض فشلهم عبر فلذات أكبادهم، أو على الأقل دفع الأبناء إلى تحقيق نفس المستوى الذي وصلوا إليه، فالفشل هو خيبة أمل حقيقية بالنسبة لهم.
ويرى بكيس، أن فشل التلميذ هو شعور بخيبة أمل تصيب كل العائلة، وإحساس مضخم، ومرحلة نفسية تجاه محطة كبيرة في حياة الأسرة الجزائرية.

ضغط قد ينتهي بعواقب وخيمة
وتحدث الدكتور نور الدين بكيس، عن السلبيات التي قد تجر الفاشلين في شهادة البكالوريا، إلى عواقب وخيمة، حيث قال إن الضغط على التلاميذ لتحفيزهم ومساعدتهم على النجاح في “الباك”، له مخاطر يمكن أن تؤدي إلى مشاكل اجتماعية وتضييع مستقبل التلميذ وعائلته.
وأشار إلى أن الانتحار والسكتات القلبية، وتعاطي المخدرات، مخاطر تهدد الفاشلين في البكالوريا، إذا لم يجدوا من يحتويهم ويتابعهم ويخفف عنهم صدمة عدم النجاح، فالشعور بأنهم غير مرغوب فيهم، وغير فاعلين، مع مزيد من اللوم والعتاب، يدخلهم في دوامة اليأس.
وأوضح أن العائلات الجزائرية تعيش في مرحلة الامتحانات الرسمية، حالة ضغط وتحد حقيقي، فهي بين أن تترك أبناءها في ظل ثقافة المجتمع وأن تترك لهم الخيار في التصرف لوحدهم، وفي ظل التعامل مع نوعية هذا التحدي، يضيف بكيس أن هناك عائلات لا تملك أدوات المراقبة وتفعيل نجاح أولادها، خاصة مع استغلال منصات “الفايسبوك”، للتفاخر والتباهي، وإذا تعلق الأمر بنجاح” الباك”، فالأمر أكثر تسليطا للضوء على الناجحين والفاشلين.
وقال المتحدث، إن الضغط يزداد على ممتحني شهادة البكالوريا، بعد الاهتمام أيضا بالرتب والمعدلات الخاصة بالامتحان، فالفشل أصبح أيضا يرتبط بالمعدل.

شارك هذه الصفحة مع أصدقائك